الشيخ العلاوي: الإسلام وتعاليمه

الإسلام دين الله العام اللائق بكل عصر ومصر, وإن شوهت سمعته أعداؤه وخانقته أبناؤه, فجوهريته أجَّل من أن تعمل فيها الأيدي الأثيمة, مادام حفظ كتابه موكولا لله عزَّ وجلَّ. ‏نعم إن أراجيف المرجفين قد تقضي على عزائم بعض أبنائه الذين لم يستضيئوا بنور العلم, ولا استوفوا من معلومات الدين القدر الذي يحميهم من دخول الالتباس عليهم, ويعطيهم يقينا جازما على أصلحية دينهم لكل الاعتصار. أما لو اتسعت مداركهم من جهة غور التعاليم الإسلامية وما هي عليه من رفع المكانة وشرف المنزلة, لكانوا من القائمين بنشر مبادئه بين الأجانب فضلا عن أن تعمل فيهم وساوس المغرضين, وترهات المرجفين, لأنه الحق البين, والنور الصرف.

‏والحق مهما أتضح نيِّرا لا يعدم أنصارا, وما منع الإسلام من رواج تعاليمه بين الأجانب إلا تقاعس أبناءه عن القيام بواجب ما أنيط برقابهم من مطلوبية التبليغ, خصوصا مع ما أوتوا من طلاقة اللسان, وحسن البيان. على أن أقول لو أن الإسلام ظهر بتعاليمه الحقيقية على الأسلوب الملائم للعصر الحاضر, لوجد من الأنصار في أهل أوربا أكثر ما وجدته المسيحية في إفريقيا الشمالية وغيرها من الأنصار, على أن أنصار التعاليم الإسلامية يعتبرون من الطبقة العالية بين أهل العصر الحاضر.

وقد كنا قدمنا في العدد الفارط شيئا مما كتبوه في شأن الإسلام ورفيع مكانته, مع أنه لا مؤازر لهم من أهل الملة على ما تصدروا لنشره وتفوهوا به بين قومهم, كل ذلك لما عرفوه من الحق.

أما لو كان في الأمة من يقوم بهاته الدعوة الجليلة القدر بانتظام وحسن دراية, لكان الإسلام يعمل بكل سهولة في أواخر القوم أكثر ما عمله في أولهم, وما ذلك إلا لسطوع برهانه, واستعداد أهل العصر الحاضر لتطلب الحقائق حسبما يظهر لأنه ليس بخفي الحجة ولا وعر المحجة. وعلى الأقل من تأمله أن ينتفع العالم الإسلامي بحسن ثقة الأجانب بتعاليم دينه, الذين هم يتخيلونه الآن أشبه شيء بشبح مبهم, وذلك إلا لقصور اللفيف عن الإحاطة بغور تعاليمه حتى قد صوروها على عكس ما هو عليه, وساعدتهم على ذلك بل ودفعتهم أيضا أرباب الغايات الذين يسعون في الأرض فسادا أو يبغونها عوجا, إلى أن ضرب بسور بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي, فصار كل يتصور في مقابلة ما تمسح له به مخيلته من المفزعات.

ولهذا لا مستبعد إن قلت يتحتم الآن على المسلمين عموما, وعلى من أهَلَّهُم الله لمثل ذلك خصوصا, نشر تعاليم وأصول دينهم بين الأجانب نشرا لا يستهان به حتى يعلم ذلك الكبير والصغير والغني والفقير, لان الإسلام دين التراضي والمسامحة والإحسان والمكارمة, يسمح لمتبوعه أن يعيش مع غيره جنبا لجنب, وأن يحتفظ على حقوقه احتفاظا على نفسه, وعندئذ يستطيع المسلم أن يبني على حسن مستقبله. أما مادام الأجنبي يرى الإسلام شبحاً أسوداً في نظره يتصور فيه كل ما خفي عن إدراكه, لا يصفو عيش المتعاشرين فيما يظهر والله أعلم.

المصدر: جريدة البلاغ الجزائري- الإسلام وتعاليمه, العدد 5 بتاريخ 21-01-1927

تعليقات