الشيخ العلاوي - يريدون أن يجعلوا المتقين كالفجار

الإسلام نور تنبعث أشعته في القلوب, فتكسبها استنارة كما تكب الشمس جدران المنزل ضياء, ذلك شيء تحسه الأحياء ويدركه البصر, وقد يستدرك المدركون على وجوده بما يظهر على ظواهر المنتمين إليه من آثار الاستقامة وجميل الأخلاق, فينتظم إذ ذاك مجموع المستمدين من أشعته من جهة سيرهم في سبيل السعادة على نهج مستقيم وقانون واحد, وإلى أولئك الاشارة في الحديث : "المؤمنون كالجسد الواحد", ومهما ‏كانوا بتلك الصفة فحقيق يستنير بوجودهم العالم أجمع, وقد كان ذلك بالفعل ولا شاهد أعدل من التاريخ, "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" (مريم: 59), إلا إذا تداركهم الله بلطفه.

ذلك الجيل الذي حكم القدر على أمتنا الإسلامية أن تكون من أفراده, واذاً هل يصح التساوي, أو يتحقق وجود الشبه فيما بين هؤلاء وأولئك؟ فإن الجواب لا يكون إلا سلبيا, وإن كان كذلك فلم يفوه أحدنا بملء شدقيه قائلا ‏: هذا عصر النور.

أما أنا فما رأيت نورا أشبه منه بالظلمة من نور هذا العصر, إلا إذا كانوا يعنون بالنور ما لا يتجاوز الكهربائيات ويكون في العبارة تجاوز على قاعدة البلغاء, أما النور الذي تهتدي به القلوب, وتدرك به النفوس رشدها فهو من هذا النور على طرفي نقيض, فليتنبه المسلم مهما كان مسلما ولا يندفع في تعبيره عن هذا العصر من كونه عصر النور, عصر الرقي, عصر المدنية, إلى غير ذلك من الألقاب الخلابة.

وان كان ولابد من جريان القلم بتلك الألفاظ لحكمة يراها الكاتب, فحقه أن لا يتناسى أن يعطي للعصر حقه من كونه عصر القبائح, عصر ارتكاب المعائب والفجور, عصر الإلحاد والشكوك, عصر أصبح فيه المؤمن على شك من أمره, يضطرب إيمانه كالذي يتخبطه الشيطان من المس, تراه يكفر تارة, ويسلم أخرى, كل ذلك من نتائج هذا العصر المسمى بعصر النور, ذهب الله بنوره غير مأسوف عليه ولا ملتفت إليه.

وإني وتالله ما رأيت داهية أدهى منه على الدين, ولا رزية أرزى منه على الموحدين, وقد تحكمت مبادئه, وانتثرت مفاسده, ورسخت تعاليمه, فلينتبه فإنهم يسألون عما يرشدون.


"وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ. وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ. وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ. وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ" (فاطر: 22).


المصدر: جريدة البلاغ الجزائري- يريدون أن يجعلوا المتقين كالفجار, العدد 2 بتاريخ 30-12-1926

تعليقات