الشيخ العلاوي - هل يجمل بأبناء المسلمين ما نراهم الآن فاعلين؟

تضافر الكثير وتضامن جم غفير من أبناء الملة الإسلامية على خراب بيوتهم بأيديهم وأيدي غيرهم, فتراهم الآن ويا للأسف يفعلون في أنفسهم بأنفسهم ما لا يستطيع أن يفعله فيهم عدوهم ولو حاول دهرا طويلا, وتحويل الوجهة عن الرابطة الدينية إلى الرابطة المذهبية, وهو العمل الوحيد والخطوة الأولى في السعي وراء انقسام جوهر الأمة الإسلامية مع أنه شيء لا يوجب الانقسام, لأن دائرة الإسلام أوسع من أن تقضي بتصادم المذهبين أو العشائر المختلفة فيما لا مساس له بجوهر الدين, ولكن الشيطان لا يرضيه ذلك وإنما يرضيه أن يظهر في كل مذهب ما يوجب استيلاءه على غيره بكل ما يستحق من الوسائل القولية أو الفعلية إن أمكن. الشيطان فطير على جناح مكره من التعاليم الغربية ما يراه كافيا في الغاية المنشودة, وأول شيء ساقه عليها من تلك التعاليم هو التفنن في الوطنية, والإغراق في أطرافها, الأمر الذي قد تتلاشى معه سائر الروابط العامة الشاملة.

ولكن وحدة الوطن مهما روعيت أتم مراعاة إلا وكانت قاضية على وحدة الدين, وقد تكمن عقيدة في قلوب العصريين, فلم يشعر العنصر الإسلامي إلا وهو عناصر متميزة عن بعضها: امتياز النوع والجنس بضرورية الأقاليم والجهات, ولا يتسنى إلى ذاك المسلم إلا أن يرى أخاه المسلم بالعين التي يراه بها الأجنبي عن الدين لأنه ابن وطن غير وطنه ‏وصار أفراد العنصر الإسلامي يعمل كل على حدته ساعيا وراء خصائص مصالحه وإن أضر بمصالح غيره جريا على قاعدة "حب الوطن من الإيمان".

‏يقول هذا بدون ما يستحضر كون الوطن وما يطلبه منه الوطن في مقابل الإيمان يعتبر كل شيء, ‏وبغير ما يستحضر أن الني صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ على وحدة الدين أكثر منه على وحدة الوطن, وبدون ما يستحضر كونه صلى الله عليه وسلم هجر وطنه احتفاظا على دينه, وبدون ما يعرف أن وحدة الدين تحقق للمسلم كل مبدأ جليل لا العكس فيمكن معها أن يكون "حب الوطن ‏من الإيمان" ولا يكون حب الإيمان من الوطن.

وليعتقد المسلمون أن حب الوطن هو جميل ‏ولكن الإغراق فيه يقضي على ما هو أجمل منه, وقد قضى بالفعل على العنصر الإسلامي. واني لأريد ‏بتلخيص هاته الجمل إلا أن يكون الإيمان وما يطلبه منا الإيمان هو الشيء الذي نتحفظ عليه مهما استطعنا إلى ذلك سبيلا والله المستعان.


البلاغ الجزائري - هل يجمل بأبناء المسلمين ما نراهم الآن فاعلين ؟ العدد 27 بتاريخ 08-07-1927.

تعليقات