الشيخ العلاوي - افتتاحية البلاغ (إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين)

بسم الله الرحمن الرحيم "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ", ‏(المائدة: 67)‏. 
أحمدك اللهم يا من جعلت البلاغ ذخرا للمؤمنين, بعدما بعث فيهم "رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ", (الجمعة: 2).

فأكرم به من شفيع ينتظر, ومبلغ يعتبر في الأولين والآخرين بما مكنه من توحيد الله المتين, وأسسه في شرائع الدين, ذلك الدين القيم ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. فصلِّ اللهمَّ على هذا الرسول المعظم وعلى آله وصحبه الطاهرين الذين قاموا بأعباء التبليغ وواجب الأمانة وكانوا على العهد حافظين, يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, لا تأخذهم في الله لومة اللائمين, إلى أن وصل إلينا ما اؤتمنوا عليه, فاجعلنا اللهم على آثارهم عاملين, وخصص لنا من البلاغ القدر الذي يسمح لنا بالدخول في دائرة المبلغين, وما لنا أن لا نبلغ وقد أمرتنا على لسان نبيك الأمي : "بلغوا عني ولو آية" (رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء: باب ما ذكر من بني إسرائيل), على الأقل, وهو القدر اللائق بأمثالنا من القاصرين, اللهم لا تؤاخذنا بتقصيرنا ولا تجعلنا فتنة للظالمين.

أما بعد فبتوفيق من الله عز وجل لجماعة من أبناء الجزائر المخلصين, وكتابها المبرزين, تم إصدار هاته الصحيفة تختال في حال صدقها, ‏عامة في خدمة الدين والوطن بكلتا يديها, ‏ولطالما كان يختلج في الضمير أن لو يأتينا الزمان بمثلها على أن الصحافة في القطر الجزائري بحمد الله أخذت تتوسع دائرتها تدريجيا, ‏وكان لكل منها مشرب خصوصي, ‏وكان مما خصصته الأقدار لهاته الصحيفة من المشارب أن تظهر بلهجة علمية, ‏في صبغة دينية.

‏والمعنى أن خطتها في الكتابة وغايتها في المجاورة بذل الجهود في إيضاح المقاصد الدينية والفوائد الشرعية زيادة على ما ستطرقه إن شاء الله من ‏الأبحاث الهامة والنصائح العامة معتمدة على الله في تحقيق الإنتاج وتقويم الاعوجاج, راجية من كتابها أن يؤازروها على خطتها, وأن لا يحملوها فوق طاقتها. نعم إنه لا تحجير على الكاتب أن يكتب ولكن فيما علمه أن يكتب, بناء على أن طرق الإصلاح كثيرة وأساليب النصائح متعددة, فليتوخ كتابنا من ذلك أحسن الأساليب, وليكونوا في التيقظ على أعظم جانب, بما أن الصحافة تعتبر بكتابها كما أن الأمة تعتبر بصحافتها, فالصحيفة هي المرآة المجلوّة لتمثيل ذات الأمة بين الأمم وهي الواسطة بينها وبين حكومتها, وهي المنبر العام لخطبائها وهي السائق الوحيد لأفكارها وهي ...

ومهما كانت في نظر كتابها بهاته الصفة, فحقيق بهم أن لا يستعملوها في غير ما وضعت لأجله, ولهذا أردنا استلفات كتاب البلاغ الأغر لمكانة الصحافة, عسى أن تكون صحيفتهم هاته أية في بابها, عائدة بالنفع على طلابها, وستنتهج بعون الله الحد الوسط لا هي إلى التفريط أقرب, ولا لما فيه شطط, كل هذا من مدخول الآمال المتسع, والظن في الله جميل, وهو ‏حسبنا ونعم الوكيل.


المصدر: جريدة البلاغ الجزائري- إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين, (افتتاحية), العدد 1 بتاريخ 1926/12/24.

تعليقات