الشيخ العلاوي - السم في الدسم

كل شيء على ظهر البسيطة من جواهر وأعراض وحقوق وأغراض ممكن آن تتفكك أوصاله وتتحطم أركانه وتتحول صبغته. هذا ما كنت اعتقده, وما كنت اعتقد أبدا آن يقع مثل ذلك في جوهر الدين الإسلامي, ذلك الدين القيم بالنظر لجوهره المصفى, وبالنظر لتمكنه من ظواهر أبناءه وبواطنهم, لولا أن كذبتنا الشواهد وأبكتنا المشاهد, فسمعنا ما لم نكن نسمعه, وأبصرنا ما لم نكن نبصره, واني لا أطيل الكلام فيما سمعناه وأبصرناه, لان الغير سمع ما قد سمعنا وأبصر ما قد أبصرنا.

أجل, أن يسمع أبناء العالم الإسلامي كيف أصبحوا ينشدون بغير نشيدهم, ويرقصون من غير نغمتهم, يحتقرون من عوا ئدهم بقدر ما يستحسنوه من عوائد غيرهم, يعملون يدا واحدة مع كل من سواهم على تفكيك أوصال الدين, وتحليل أجزاءه كل حسب وسعته وطاقته, والله يجزي العبد حسب عمله ونيته.

وهم على أقسام, فمنهم المفرط, ومنهم دون ذلك, ومنهم من هو على خبرة, ومنهم من هو على غرة, وغاية أمره انه نشوان بدندنة الترقي وشنشنة التقدم.

وعلى كل حال فهو أخذ معول بيده عامل على تحطيم الدين كغيره, والمعاول تختلف بين قوة وضعف, والغيب لله فيما أراد بهذه الآمة, وقد كنا وقفنا على خطاب حافل ألقاه أحد الأئمة الخطباء في بعض الأندية يذكر فيه انه لا نهوض للعالم الإسلامي إلا بالقران, وقد أجاد وأفاد فنزًل القران منزلته, وأعطى المقام حقه, غير أننا تخوفنا أن يكون ذلك الخطاب من قبيل الخطابات التي كانت تلقى في بلاد الأتراك عندما كان زعمائها يريدون التظاهر باسم الدين لحاجة في نفوسهم, يريدون قضائها فاخذوا يبشون في الأذهان بما يلقون من خطبهم ومحاضراتهم سم في دسم, من انه لا نهوض لنا إلا بالقران وانه الدستور الأعظم الذي ينبغي الوقوف عنده, والخوض بمقتضاه, وأن لاشيء يدانيه ويزاحمه في مضماره, وهذا كان يظهر على وجهه مسحة من الحزن, ولكن تحته ما تحت ثياب المجذوم, ولو اطلعت عليه لوليت منه فرارا, يقولون ذلك ونيتهم أن يتمكن من قلوب قومهم, حتى إذا اخذ حظه الأوفر من الأذهان, وصار الكل يقول انه لا نهوض إلا بالقران, فانه طبعا يخرج ما ليس بقرآن كأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وأقوال المجتهدين من أمته, تخرج تلك الأقوال بدعوة اضطرابها وتناقضها, واختلاف أهلها, وعدم الصحة في نقلها وكيف ما كان فإنها لا توازي القران في ظاهره ولا في معناه.

كل هذا سمعناه من قبل من دعاة النهضة وزعماء الإصلاح, أما ألان فإننا نسمع منهم ما هو اكبر, والكل على خبرة مما هنالك.

وكان الحق لمن أراد أن يستنهضنا باسم الدين, أن يقول لنا لا نهوض لنا إلا بالقيام بأوامر ديننا, فنحرم حرامه, ونحلل حلاله, ونفعل واجبه, ونقوم قومة واحدة مثنى وفرادى وجماعات متحدين ومتكاثفين على حكم المنكرات المنشورة منها, والموبقات التي قد عمت البنين والبنات, فجاست خلال الديار بنار ترمي شرر كالقصر ... ودعاة الإصلاح عن جميع ذلك لاهون ومتلاهون كأن بعيونهم سحر وبآذانهم وقر, غير ملتفتين لما داع وشاع, نعم أنهم منشغلون بالسباب وما يشاكلهم من موجات القطيعة وسوء الصنيعة, فهذا ما نراه ضاربا إطنابه بين أتهل القول الصريح والدعاة إلى الدين الصحيح لأنهم لم يجدوا من الإصلاحات إلا الخوض في المشاكل وتنقيص المذاهب وافتضاح الأصلاب والترائب.

وفي الأخير, أقول أنى لا اجزم بان تكون خطبة هذا الخطيب جاءت بالقصد ترمي إلى تلك الغاية المنوه عنها, وإنما ذكرنا ذلك لسوء عاقبة ما يرمي إليه الكلام وليكن على خبرة بما يجعله على غيره ذريعة في الوصول لما يرضاه هو لإخوانه في الدين وأبناء ملته من المسلمين والسلام.


المصدر: جريدة البلاغ الجزائري- السم في الدسم, العدد 85 بتاريخ 14-09-1928

تعليقات